شهر رمضان هو شهر القرآن قال تعالى "شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدي والفرقان" فقد بدأ نزول الوحي بالقرآن الكريم علي رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم الإثنين لسبع عشرة خلت من رمضان وقيل لأربع وعشرون خلت منه أيضًا فكان ابتداء الوحي وهذا شرف كبير لنزول القرآن في هذا الشهر الفضيل.
والقرآن الكريم هو كلام الله المعجز المنزل علي قلب رسوله صلى الله عليه وسلم المتعبد بتلاوته والمتحدي بأقصر آيه منه ولسنا في حاجة أن ندلل علي أن القرآن الكريم هو كلام الله عز وجل القديم قال تعالي "وان أحد من المشركين استجارك فاجره حتى يسمع كلام الله " (التوبة 6).
وقال تعالى "يريدون أن يبدلوا كلام الله " (الفتح 15) وقرآن : مصدر قرأ فهو مقروء بعكس المكتوب كالقصص والشعر ونحوه أي أنه نزل من الله تعالي أقرأه جبريل عليه السلام ثم أقرأه جبريل عليه السلام لمحمد صلي الله عليه وسلم أي هو كلام الله عز وجل القديم لم يكتبه بشر قال تعالى "وما كنت تتلوا من قبله من كتابا ولا تخطه بيمينك ".
ولذلك كان للقرآن الكريم مكانة عظيمة وقدسية خاصة، وخاصة إذا علمنا أن كل من في السموات والأرض مخلوق أما القرآن الكريم فهو قديم وليس بمخلوق بل هو كلام الله عز وجل.
ونلتمس من هذه الحقيقة عدة دلائل في غاية الأهمية .
الأولي : أن القرآن الكريم ليس كسائر الكتب العلمية إذ أن وظيفة كل هذه الكتب هي تفسير الكون أما القرآن الكريم ففيه تأويل الكون، وفرق بين التفسير والتأويل إذ التفسير : عبارة عن الإخبار عن دليل الشئ أما التأويل : هو إخبار عن حقيقة الشئ فالقرآن الكريم الكتاب الأوحد الذي يمكنه الاخبار عن تأويل الأمور ومآلاتها.
وعن حقائق الأشياء قال تعالي "ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير" وإلا فمن كان سيخبرنا بأن الإنسان مثلا روح ومادة وأن أصل هذه المادة هو (التراب) وأن جسم الإنسان مخلوق من ماء حوالي 70% منه من الماء قال تعالي "وجعلنا من الماء كل شئ حي" إلي غير ذلك من الحقائق الكونية من أن جميع الكواكب مثلا تدور حول الشمس وحقائق حول نشأة الأرض ونشأة الحياة وغيرها من الحقائق العلمية والشرعية .
الثانية : يجب أن نولي القرآن الكريم عناية أكثر فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول "إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين" (مسلم) .
ومعني يرفع به أقواما : أي يعزهم ويظهرهم علي سائر الأمم بحيث تدين لهم الأمم جميعًا والمعني أن من عمل بهذا القرآن تصديقًا باخباره وتنفيذًا لأوامره واجتناب نواهيه واهتداء بهديه فسوف يرفعه الله تعالي قدرًا ومكانة ويضع به آخرين : أي يزلهم ويجعل أمرهم في خسارة والمعني أن من تعامل مع القرآن الكريم بنظرة المتكبر أو المتربص لا يصدق باخباره ولا يعمل باحكامه.
وينكر ما جاء فيه بشأن الدنيا واليوم الآخر فهؤلاء يضعهم الله عز وجل ويزلهم ويجعل أمرهم في خسارة حتى وإن أملا لهم وازدانت لهم الدنيا وتزخرفت وقال تعالى "ويوم يعرض الذين كفروا علي الناصر أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون" (الأحقاف 20) .
الثالثة : أن القرآن الكريم يورث صاحبه منزلة عظيمة في الآخرة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول "الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة" ومعني السفرة أي الملائكة سفراء الوحي كجبريل عليه السلام فهو ملك مقرب ويصل إلي منزلة ومكانة لم يصلها غيره من الملائكة.
وفي الحديث الشريف دلالة واضحة علي أن صاحب القرآن الذي يداوم علي تلاوته وملازمته وتدبره أن القرآن الكريم يورثه هذه المكانة العظيمة والمنزلة الرفيعة التي ربما لا يبلغها الإنسان بعمل وفيه دلالة علي أن العبد ينبغي له أن يحرص علي تحصيل هذه الدرجة الكبيرة والمنزلة العالية فاللهم اكرمنا بالقرآن واجعله لنا نورًا وهداية ورحمة.
الشيخ إكرامي منير ريحان إمام وخطيب بوزارة الأوقاف